تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأخبار

دور التقنية الرقمية والذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة المحاكم

دور التقنية الرقمية والذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة المحاكم
فبراير 26 2025

المقدمة: رؤية قطر للتحول الرقمي في النظام القانوني

تلتزم دولة قطر بتعزيز التحول الرقمي عبر مختلف القطاعات، بما في ذلك القطاع القانوني. ويتماشى هذا الالتزام مع رؤية قطر الوطنية 2030 واستراتيجية التنمية الوطنية، وكلاهما يؤكد على الابتكار والتكامل التكنولوجي والتطوير الاستراتيجي للذكاء الاصطناعي. وتعتبر هذه المبادرات في غاية الأهمية لتعزيز القدرة التنافسية العالمية لدولة قطر، حيث يعمل القطاع القانوني كرافد رئيسي لمواكبة هذا التطور.
وتأتي محكمة قطر قطر الدولية في طليعة هذا التحول، حيث تلعب دورًا محوريًا في دفع عجلة التقدم التكنولوجي في المنظومة القانونية والقضائية في المنطقة باعتبارها محكمة رائدة في تبني أحدث التقنيات الرقمية التي تساهم في تشكيل نظام للعدالة يكون أكثر كفاءة سواء على المستوي المحلي أو الإقليمي. وتوفر هذه التطورات التكنولجية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، القدرة على إحداث نقلة نوعية في كيفية عمل المحكمة و إجرائاتها، والإسهام في زيادة كفاءة خدماتها وتبسيط إجراءات التقاضي لديها.

التطبيقات الخارجية: الذكاء الاصطناعي في إدارة القضايا

خلال زيارة قامت بها محكمة قطر الدولية إلى محكمة شنغهاي المالية في نهاية العام 2023، شهدنا بشكل مباشر الأدوات المبتكرة المتقدمة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتحول النوعي التي أحدثته في الطريقة التي تعمل بها المحكمة. ومن بين هذه الابتكارات، برنامج يعمل عن طريق الذكاء الاصطناعي يقوم بمراجعة المذكرات القانونية تلقائيًا. وفي حالة اكتشاف أي أوجه قصور، يقوم النظام بتنبيه الأطراف بالتعديلات التي يجب القيام بها وذلك قبل تقديمها، مما يساعد في تقليل مدة الإجراءات من خلال تجنب الأخطاء الإدارية . وعلاوة على ذلك، بمجرد اكتمال المذكرات، يضمن البرنامج توفير الخدمات الإلكترونية لجميع الأطراف ذات الصلة بالقضية - مما يلغي التدخل البشري ويساهم في تسريع إجراءات التقاضي.
بالنسبة للمحاكم التي تتعامل مع عدد كبير من القضايا، مثل محكمة شنغهاي المالية، فإن هذه التطورات التكنولوجية لا غنى عنها. وفي حين أن محكمة قطر الدولية، وغيرها من المحاكم الدولية الأخرى، قد لا تواجه نفس حجم القضايا، إلا أن مثل هذه الابتكارات لا تزال قادرة على تحسين الكفاءة، وخاصة في الولايات القضائية ثنائية اللغة مثل محكمتنا. ويأتي برنامج الترجمة والنسخ الفوري كأحد أبرز أدوات الذكاء الاصطناعي التي عُرضت في محكمة شنغهاي المالية، حيث يوفر البرنامج ترجمات عالية الدقة، ونظراً لتكاليف الترجمة التي تتكبدها المحاكم التي تقدم خدماتها بلغات متعددة للموارد ، فإن مثل هذا الحل الذي يوفره البرنامج لن يعزز تجربة المستخدم فحسب، بل سيحسن أيضاً الكفاءة المالية والتشغيلية للمحاكم.

التطبيقات الداخلية: الذكاء الاصطناعي في الإدارة القضائية

تمتلك أدوات الذكاء الاصطناعي إمكانيات فريدة فيما يخص دعم القضاة وموظفي المحكمة في إدارة القضايا وجعل إجرائاتها أكثرسلاسة وفاعلية. على سبيل المثال، توفر أحد الأدوات حلولاً استباقية لإدارة الدعوى وذلك عن طريق النظر في المستندات المقدمة من قبل الأطراف، ومن ثم توجيههم عن طريق الاخطارات بما يتوجب عليهم فعله، الأمر الذي يوفر الكثير من الوقت و يقلل من التدخل البشري في إجراءات الدعوى.
ومن المجالات الواعدة الأخرى للذكاء الاصطناعي: على سبيل المثال، فيما يخص تسوية النزاعات المالية المعقدة، فإنه يتوجب على القضاة في كثير من الأحيان التدقيق في السجلات المالية بشكل مستفيض، إلا أنه يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أن تحدد بكفاءة وبشكل مفصل الأنماط ضمن تلك البيانات الضخمة، مما يساعد في عملية النظر في مستندات الدعوى ويضمن سهولة الوصول إلى المعلومات المهمة والاساسية المتعلقة بالقضية لاتخاذ القرار المناسب حيالها.

رؤية قطر الوطنية 2030: تعزيز الابتكار القانوني في محكمة قطر الدولية ومركز تسوية المنازعات

تماشياً مع رؤية قطر الوطنية 2030 واستراتيجية التنمية الوطنية، تعمل محكمة قطر الدولية ومركز تسوية المنازعات على تعزيز دور الذكاء الاصطناعي في القطاع القانوني. وباعتبارها أحد المؤسسات الرائدة في هذا المجال، ونظراً لطبيعة الهيكل التنظيمي للمحكمة، فإنه بإمكان المحكمة تبني أحدث التقنيات بسلاسة وسرعة مما يساهم في تعزيز تجربة المستخدم والجمهور بشكل عام. وعلاوة على ذلك، ونظراً للعلاقات المتميزة للمحكمة في الساحة القضائية والدولية ومشاركتها المستمرة في التجمعات القضائية والقانونية، تعمل المحكمة باستمرار على رصد أحدث التقنيات المعمول بها في القطاع القانوني والقضائي، والعمل على تطبيقها لديها وتحسينها مما يتلائم مع طبيعة عملها، ومن ثم مراقبة وتقييم تأثيرها ، حيث يسهل الهيكل التنظيمي للمحكمة عملية مراقبة تأثير هذه الأدوات بشكل أسرع وأكثر دقة إذا تمت مقارنة مراقبة تأثيرها على مستوى جميع المحاكم الوطنية، الأمر الذي يتطلب برنامج مراقبة شامل وموسع.

وانطلاقا من التزامها بالتطوير المستمر لخدماتها، شرعت المحكمة في تبني عدة مبادرات متعلقة بالذكاء الاصطناعي، منها Courts for Webex و برنامج المحادثة الذاتي المدعوم بالذكاء الاصطناعي Ask QICDRC، وملخصات القضايا والتي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، والتي تمكن القارئ من الاطلاع على تفاصيل الدعوى بشكل مبسط وسريع، دون العودة ومراجعة الاحكام الصادرة. وفي هذا الصدد، تحرص المحكمة على تعزيز شراكاتها الاستراتيجية مع الجهات والمؤسسات في مجال الذكاء الاصطناعي والعمل على دمجها ضمن منظومتها القضائية، مما يعزز ريادتها في تقديم خدمات قضائية مبتكرة تعمل على تسهيل تجربة المستخدمين والجمهور بشكل عام.

صنع القرار بالذكاء الاصطناعي: اعتبارات مستقبلية

في وقت أظهر فيه الذكاء الاصطناعي إمكانات هائلة من خلال توفير حلول تعمل على تبسيط إدارة القضايا والبحث القانوني، فإن اتخاذ القرارات القضائية المبنية على الذكاء الاصطناعي لا تزال تمثل مسئلة معقدة و مثيرة للجدل، إذ تحظر الأطر التنظيمية، مثل اللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي، اتخاذ القرارات الصادرة آلياً في الإجراءات القانونية. وحتى بين المحاكم التجارية الدولية، بما في ذلك محكمة قطر الدولية، لا يوجد اعتماد كامل على الأحكام الصادرة آلياً باستخدام الذكاء الاصطناعي، حيث تظل الرقابة القضائية البشرية حجر الزاوية في النظام القانوني، مما يضمن العدالة والمساءلة والالتزام بالمبادئ القانونية.

حلول الذكاء الاصطناعي المخصصة للمحاكم

يعتبر دمج أدوات الذكاء الاصطناعي والتقنيات التكنولوجيه ضمن أنظمة المحاكم أمر في غاية الأهمية، وتختلف كل محكمة عن الأخرى، من حيث عدد القضايا، والاختصاصات القضائية، سواء مدنية، تجارية أو جنائية، ويفضي هذا الاختلاف إلى الحاجة إلى الابتكار و إيجاد أنظمة تلبي احتياجات كل محكمة على حدا، الأمر الذي قد ينشأ بعض التحديات المالية وضخ الاستثمارات في هذا المجال من قبل المحاكم.
ومع اتساع حركة التجارة عالمياً، والذي نتج عنه زيادة متوقعة ومتوازية في عدد النزاعات الناشئة من حركة المال والأعمال، أصبح من المرجح أن يزيد الطلب على أدوات الذكاء الاصطناعي والحلول التكنولوجية ضمن أنظمة المحاكم، لتتواكب مع زيادة الطلب و الحد من أي تأخير في تسوية النزاعات، الأمر الذي سيسهم بشكل أو بآخر إلى رؤية تحول في أنظمة العدالة والقضاء.
إن أدوات الذكاء الاصطناعي لها جوانب إيجابية ومفيدة كثيرة يمكن للمحاكم الاستفادة منها كل حسب احتياجاتها وطبيعة اختصاصها وأنظمتها، ورغم أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي مكلف إلا أنني أتوقع زيادة استخدامه في أنظمة المحاكم في المستقبل القريب، وذلك لما تمتلكه هذه التقنيات من أدوات تعمل على تسريع إجراءات التقاضي وجعلها أكثر كفاءة وفعالية.

Services

Services

Decorative Pattern

أدوات الوصول